لن يؤدي حدوث تصاعد ثلاثي الأطراف بالضرورة لمزيد من الوفيات بيد أنه سيضع عبئاً كبيراً على منظومة الرعاية الصحية

تصاعُد معدلات الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي: ماذا نعرف عن هذا الفيروس الشائع الذي فاجأ العالم بخطورته؟

الرئيسية مقالات
تارا هالي:صحفية علمية

 

تصاعُد معدلات الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي: ماذا نعرف عن هذا الفيروس الشائع الذي فاجأ العالم بخطورته؟

 

 

 

 

مع قدوم موسم الإنفلونزا ومحاولات الخبراء تحديد ما إذا كان العالم سيشهد تصاعدًا جديدًا في معدلات الإصابة بفيروس «كوفيد»، تكتظ مستشفيات الأطفال بمرضى يعانون من تهديد فيروسي آخر، وهو الفيروس المخلوي التنفسي respiratory syncytial virus (RSV)، يقول أنتوني فلوريس، رئيس قسم أمراض الأطفال المُعدية في «مركز العلوم الصحية» بمدينة هيوستن، التابع لجامعة تكساس الأمريكية، والطبيب في مستشفى «ميموريال هيرمان» للأطفال: إن كثيرًا من الناس لم يسمعوا بالفيروس المخلوي التنفسي، رغم أننا جميعًا نكاد نكون قد أُصبنا به من قبل، بل ربما أصابنا عدة مرات، يُعَدّ الفيروس المخلوي التنفسي السبب الرئيسي لالتهاب القصيبات بين الرُّضَّع، وهو الالتهاب الذي يصيب المجاري التنفسية الصغيرة في الرئة، كما أن هذا الفيروس شائعٌ للغاية، لدرجة أنه يكاد يصيب الأطفال كافة، قبل بلوغهم الثانية من العمر.

يقول فلوريس: “إن الفيروس موجود في كل مكان حولنا”، مضيفًا: “بل يتعرض له الكبار مرارًا طوال الوقت، ما يُكسبنا قدرًا من المناعة ضده”، ولكن الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي تظهر في صورة نزلة برد عادية عند الأصحاء من البالغين والأطفال، وتتشابه أعراضها مع أعراض الإصابة بفيروسات “نزلات البرد العادية” الأخرى مثل فيروس الأنف والفيروس الغُدّي وبعض فيروسات كورونا الشائعة، بيد أن ذلك لا يعني أن الفيروس المخلوي التنفسي غير ضار، إذ إنه يُكبِّد الولايات المتحدة ما يربو على مليار دولار سنويًّا في صورة نفقات الرعاية الصحية والفاقد في الإنتاجية، كما يمكن أن يمثّل الفيروس خطورةً كبيرة، لا سيما على الأطفال حديثي الولادة وعلى مَن تتخطى أعمارهم 65 عامًا.

يقول ويليام شافنر، أستاذ الطب بالمركز الطبي التابع لجامعة فاندربيلت بالولايات المتحدة الأمريكية، والمدير الطبي لـ«المؤسسة القومية الأمريكية للأمراض المعدية»National Foundation of Infectious Diseases : “مع مرور الوقت، ولا سيما على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية، اكتشفنا تدريجيًّا أن هذا الفيروس يصيب البالغين بمعدلات تقترب من معدلات إصابتهم بالإنفلونزا”، يعود ذلك إلى أن جهاز المناعة لدينا يشيخ مع تقدمنا في السن، وهو ما يؤكده فلوريس قائلًا: “كلما تقدم بنا العمر، انخفضت كفاءة جهازنا المناعي”.

لكن هناك أنباء سارة تفيد بقرب ظهور اللقاحات المضادة للفيروس المخلوي التنفسي؛ فقد أعلنت شركة «فايزر» Pfizer هذا الأسبوع عن نجاح لقاح الفيروس المخلوي التنفسي المخصص للحوامل -الذي تعكف الشركة على إنتاجه- بنسبة 82% في الوقاية من عدوى الفيروس المخلوي التنفسي الحادة التي تصيب الأطفال تحت سن ثلاثة أشهر، جدير بالذكر أن هذا اللقاح يُعطى للأم في أثناء فترة الحمل بحيث تنتقل الأجسام المضادة عبر المشيمة إلى الجنين، رغم ذلك، سيظل الفيروس المخلوي التنفسي ضمن الفيروسات التي لا يمكن تجنُّب انتشارها إلى أن يحصل اللقاح المضاد له على موافقة «إدارة الغذاء والدواء الأمريكية»U.S. Food and Drug Administration .

ما هو الفيروس المخلوي التنفسي؟ وما أعراض الإصابة به؟

الفيروس المخلوي التنفسي أحد فيروسات الحمض النووي الريبي (RNA)، ويتألف من 11 بروتينًا، ما يجعله مشابهًا لفيروس الأنفلونزا من النوع “أ”، الذي هو بدوره أحد فيروسات الحمض النووي الريبي، وتُرمِّز جيناته العدد نفسه من البروتينات، وتفيد المعلومات الواردة من «المؤسسة القومية الأمريكية للأمراض المعدية» أن هذا الفيروس يصيب الأنف والحلق والرئتين والمجاري التنفسية الموجودة في الجهاز التنفسي العلوي والسفلي، وعندما يصاب الإنسان بهذا الفيروس، يرسل الجسم خلاياه المناعية إلى الخلايا المصابة بالفيروس لتحارب المرض، وهنا يحدث الالتهاب في المجاري التنفسية.

تشمل أعراض الإصابة بالفيروس سيلان الأنف، وفقدان الشهية، والسعال، والعطس، وصفير الصدر، كما قد يصاب المريض بحمى خفيفة، بيد أن هذا العرض الأخير أكثر شيوعًا بين الرُّضَّع وكبار السن، تظهر الأعراض بعد حوالي أربعة أيام إلى ستة من حدوث الإصابة، وتحتاج إلى فترة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين حتى تنحسر.

كيف ينتقل الفيروس المخلوي التنفسي؟

أساسًا، ينتشر الفيروس المخلوي التنفسي من خلال الرذاذ الصادر عن الجهاز التنفسي في أثناء السعال والعطس (لم يثبُت بعدُ انتقال العدوى عن طريق الرذاذ المحمول في الهواء أو الهباء الجوي)، بيد أن الفيروس قد يبقى حيًّا عدة ساعات فوق الأسطح الصلبة، كالطاولات وعوارض أَسِرَّة الأطفال، تؤدي “أدوات العدوى” تلك دورًا في نقل الفيروس المخلوي التنفسي أكبر من دورها في نقل فيروس «كوفيد»، وعادةً ما يظل الأشخاص المصابون بالفيروس المخلوي التنفسي ناقلين للعدوى مدةً تتراوح من ثلاثة أيام إلى ثمانية، حتى وإن لم تظهر عليهم أعراض عديدة.

يُقدَّر عدد التكاثر الأساسي (R0) للفيروس المخلوي التنفسي بحوالي 3، ما يعني أن إصابةً واحدةً بالفيروس تؤدي إلى حدوث ثلاث إصابات أخرى في المتوسط.

ما هي أخطار الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي؟

يقول فلوريس إن الفيروس المخلوي التنفسي لا يتسبب إلا في بعض الإزعاج للشخص العادي، مؤكدًا: “لا يتعدى الأمر ما يشبه نزلة البرد العادية عند معظم الناس، أي الأطفال فوق عمر العامين والبالغين الأصحاء”، ويضيف فلوريس قائلًا: “قد يتسبب الفيروس في بعض السعال وسيلان الأنف، وربما تتطور الأعراض إلى الإصابة بحمى خفيفة، لكننا عادةً ما نتعافى منه بسرعة كبيرة”.

بيد أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر -لا سيما أولئك الأقل من شهرين- هم الفئة العمرية الأكثر تضررًا، يقول فلوريس: “هذه الفئة [من الأطفال] هي الأعلى في معدلات دخول المستشفيات، إذ تصل هذه المعدلات إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف غيرها من الفئات العمرية الأخرى”، يعود السبب في ذلك أساسًا إلى البنية التشريحية، وهو ما يؤكده فلوريس بقوله: “إن الأمر يرجع كليةً إلى حجم المجاري التنفسية عند هؤلاء الأطفال”، التي لا تكون قد وصلت بعدُ إلى الاتساع الكافي للسماح بتدفق الهواء وسط ذلك الكم من الالتهابات الناجمة عن استجابة الجهاز المناعي للفيروس.

وحتى في هذه الحالات، لا يحتاج إلى دخول المستشفى سوى نسبة تتراوح بين 1 و2% فقط من الأطفال المصابين بالفيروس المخلوي التنفسي دون سن الستة أشهر (عادةً ما يمكثون هناك مدةً لا تزيد عن يومين)، ونادرًا ما تحدث وفيات، وتشير التقديرات إلى أن عدد الأطفال الأمريكيين الذين يُودعون المستشفيات سنويًّا نتيجة إصابتهم بالفيروس المخلوي التنفسي يبلغ 58 ألف طفل، وأن الفيروس يتسبب سنويًّا في وفاة ما بين مئة وخمسمئة طفل أمريكي تحت سن الخامسة، (جدير بالذكر أن جائحة «كوفيد» تسببت منذ بدايتها في وفاة أكثر من 560 طفلًا دون سن الخامسة، وفق ما أعلنت «المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها» U.S. Centers for Disease Control and Prevention)، وتصل احتمالية الإصابة بالمضاعفات والإيداع في المستشفيات إلى أعلى معدلاتها بين الأطفال المبتسرين والمصابين بمشكلات في القلب والرئة، فعادةً تكون رئة الأطفال المبتسرين غير مكتملة النمو، ما يُضعف قدرتها على التعامل مع الالتهاب الذي يسببه الفيروس، وفي الواقع، ينصح المتخصصون بإعطاء الأطفال -ممن يُصنَّفون وفق معايير صارمة ضمن الفئة الأكثر تعرضًا لمخاطر المضاعفات- عقار «باليفيزوماب» palivizumabالوقائي الذي يحتوي على الأجسام المضادة، عن طريق الحَقن في عضلة الفخذ بواقع مرة واحدة شهريًّا وقت انتشار الفيروس المخلوي التنفسي؛ لتجنُّب الإصابة به.

علاوةً على ذلك، يتعرض البالغون الذين تتخطى أعمارهم 65 عامًا للمضاعفات الحادة من جرَّاء الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي، إلا أن مسؤولي الصحة العامة لم يكتشفوا هذه المخاطر التي تواجه كبار السن إلا في العقد الماضي، وتشير التقديرات إلى أن نحو 177 ألفًا من كبار السن يُنقلون إلى المستشفيات سنويًّا من جرَّاء إصابتهم بالفيروس المخلوي التنفسي، كما يتوفى حوالي 14 ألفًا منهم نتيجة الإصابة بالفيروس، وعلى سبيل المقارنة، نجد أن فيروس الإنفلونزا يتسبب سنويًّا في وفاة ما يتراوح بين 21 ألفًا و44 ألف شخص ويزيد ممن تتخطى أعمارهم 65 عامًا.

هناك فئة أخرى من السكان يُعدّ أفرادها أكثر تعرُّضًا لمضاعفات الفيروس المخلوي التنفسي، وهم الأشخاص المصابون باختلال المناعة، سواء بسبب معاناتهم من مشكلات تُضعف جهازهم المناعي، أو لأنهم يتناولون علاجات مُثبِّطة للمناعة، كما أن الأشخاص الذين يخضعون لعمليات زرع الأعضاء يتلقون علاجات تعمل على تثبيط استجابة الجسم المناعية، بهدف تجنُّب رفض الجسم للعضو الجديد، كذلك فإن عددًا من العقاقير المستخدمة في علاج أمراض المناعة الذاتية تُضعف جهاز المناعة.

ما السر وراء التصاعد الحالي في معدلات الإصابة؟

في الماضي، كان موسم الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي محددًا في توقيتاته بدرجة تتيح الفرصة أمام مستشفيات الأطفال لتوفير احتياجاتها من الطواقم الطبية في الوقت المناسب، وعادةً ما كان موسم انتشار الفيروس يمتد بين شهرَي نوفمبر وأبريل، إذ كان يصل إلى ذروته خلال شهرَي يناير وفبراير، وفقًا لظروف كل منطقة، بيد أن الجائحة أسفرت عن تغيُّر الوضع تمامًا، فمع ملازمة كثيرٍ من الأشخاص لمنازلهم، وفي ظل التباعُد الاجتماعي والمواظبة على غسل اليدين وارتداء الكمامات على مدار الجزء الأكبر من عام 2020، ومع استمرار هذا الوضع في بداية عام 2021، لم يظهر الفيروس المخلوي التنفسي، ولا فيروس الإنفلونزا في الموسم المعتاد لهما، منذ ذلك الحين، خرج موسم الإصابة بالفيروس عن السيطرة وأصبح توقيته غير متوقع.

يقول فلوريس: “بوغتنا خلال الصيف الماضي بالتصاعد الهائل في معدلات الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي”، مضيفًا: “في البداية، أصابتنا جميعًا الحيرة، لكن سرعان ما اتضحت لنا منطقية هذه الظاهرة من الناحية الوبائية”؛ ففي العادة، يُصاب معظم الأطفال بالفيروس المخلوي التنفسي في وقتٍ ما خلال أول عام ونصف من حياتهم، ما يخلق لديهم قدرًا من المناعة مع تعافيهم من المرض، وفي حين لا تدوم هذه المناعة مدةً طويلة، يبقى منها القدر الكافي للحيلولة دون حدوث أعراض حادة عند الإصابات اللاحقة، لكن بفضل التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، تجنبت شريحة كاملة من المواليد الإصابة بعدوى الفيروس المخلوي التنفسي خلال عام 2020، وهكذا، عندما بدأ المجتمع في الانفتاح من جديد في صيف 2021، تعرض هؤلاء الأطفال جملةً واحدةً وفي الوقت نفسه للفيروس المخلوي التنفسي، ما نتج عنه استعار انتشار الفيروس مجددًا، إذ أصبح الوضع مثل احتفال أتى قبل أوانه.

يقول فلوريس: “كانت الأعراض التي رأيناها خلال عام 2021 أكثر حدة، لذلك شهدنا المزيد من حالات دخول المستشفيات، وأعتقد أن السبب في ذلك كان وجود مجموعة أكبر من الأطفال الذين لم يتعرضوا للإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي من قبل”، ومع الوقت هدأت حدة هذا التصاعد الصيفي، ولكن هاهو عام 2022 يشهد ظاهرةً مشابهة، رغم أننا تجاوزنا فصل الصيف بعدة أشهر.

على الجانب الآخر، لم ترتفع معدلات إيداع الأطفال المستشفيات في الفترة الراهنة عن المعدلات المعتاد تسجيلها في أثناء فترات انتشار الفيروس المخلوي التنفسي في ذروة الشتاء، سواء في المستشفى التي يعمل فيه فلوريس أو في عدد من المستشفيات الأخرى، ولكن المشكلة أننا لم نصل بعدُ إلى ذروة الشتاء لهذا العام، ومع ارتفاع أعداد حالات الإنفلونزا، يقول فلوريس إن أطباء الأطفال وخبراء الصحة العامة يسألون أنفسهم السؤال ذاته: “هل ستشهد أواخر هذا العام تصاعدًا في معدلات الإصابات بالتزامُن مع تصاعد معدلات «كوفيد»، ومن ثم نشهد ’جائحة ثلاثية الأطراف‘؟”، مضيفًا: “نحن قلقون إزاء هذا الاحتمال”، في الوقت ذاته، لا يعتقد فلوريس أن حدوث تصاعد ثلاثي الأطراف سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من الوفيات، بيد أنه سيضع عبئًا كبيرًا على منظومة الرعاية الصحية ليس بمقدور جميع المناطق التكيُّف معه ..يتبع.عن “سيانتافيك أميريكان”

 

 


تعليقات الموقع