من أبرز ما حملته نتائج الانتخابات هو تراجع حظوظ جماعات الإسلام السياسي وأحزابه

الانتخابات العراقية وآمال مستقبل جديد 

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

 

اتجاهات مستقبلية

الانتخابات العراقية وآمال مستقبل جديد 

 

 

 

 

 

تتعلق الآمال كثيراً بما حملته نتائج الانتخابات التشريعية العراقية الأخيرة من مؤشرات تدلِّل على إعلاء الناخب العراقي للانتماء الوطني على الطائفي. فقد أظهرت هذه النتائج تنامي الرفض للأدوار الإقليمية السلبية في الشأن الداخلي، وتعاظم أهمية سيادة استقلال العراق وصونه في مواجهة مثل هذه الأدوار والتدخلات الأجنبية كافة. ويزيد ذلك من التفاؤل الحذر بترقُّب انطلاقة جديدة لهذا البلد، ومن توقُّع تغيُّرات في مشهده السياسي، لتُرسم بداية لعراق أكثر استقراراً واقتراباً من حاضنته العربية.

فقد كانت هذه الانتخابات بمنزلة قطيعة مع الانتخابات البرلمانية السابقة؛ إذ أحدثت نتائجها تغييرات مهمة في شكل الخريطة السياسية العراقية، وفتحت آفاقاً تدعو إلى التفاؤل الحذر بمستقبله الذي استشرت في مسيرته التدخلات الخارجية، وتحكَّمت في مقدِّراته قوى تخشى فقْد السلطة. إذ حرصت هذه التدخلات على الانفراد بالمشهد السياسي؛ برغم ما سادته من حالات التجاذب والانقسام والتنافر والاقتتال منذ عام 2005، وغلَّبت المحاصصة السياسية على مصالح الدولة الوطنية؛ ما أضعف قانون الدولة، وتوغَّل في إضعاف مؤسساتها بمساعدة عوامل أخرى.

قد يكون أول دواعي التفاؤل بهذه الانتخابات البناء على ما سبق انطلاقها وهيأ له؛ فإجراؤها قبل موعدها الأصلي إنما أتى استجابة لمطالب الحركة الاحتجاجية الشبابية المعروفة باسم “انتفاضة تشرين” التي اندلعت في أكتوبر 2019، وكشفت عن حجم الإحباط الواسع والعميق في أوساط العراقيين من النخبة السياسية العراقية الحاكمة وعن رغبة واسعة في التغيير. كما أنها أول انتخابات تُعقد وفقاً لقانون انتخابي جديد يعتمد دوائر انتخابية متعددة والتصويت لمرشح واحد، بما يحدُّ من هيمنة الأحزاب الكبيرة على المشهد السياسي.

وعلى الرغم من أن حماسة وآمال القوى التي قادت تلك الاحتجاجات تراجعت مع اقتراب موعد الانتخابات، ووصل الأمر بأطراف رئيسية فيها إلى مقاطعة الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً. فوقفت بذلك وراء تسجيل هذه الانتخابات أدنى نسبة تصويت منذ عام 2005، وقلّلت من إمكانية فوز من خالفها من قوى وأحزاب الحراك المدنية المنخرطة في الانتخابات بمزيد من المقاعد. لكن هذا لم يمنع قوائم الواصلين إلى قبة البرلمان من أن تتضمن دماء جديدة من هذه القوى، وهو ما يمنحها وجوداً ملحوظاً داخل البرلمان الجديد لتكون عنصر تغيير، إذ إنها مدعومة من جمهور مختلف، ومرتبطة بنبض الشارع.

ومن أبرز ما حملته نتائج الانتخابات هو تراجع حظوظ جماعات الإسلام السياسي وأحزابه المهيمنة منذ نحو عقدين. فانحسَر بشكل واضح عدد مقاعد أغلب الكتل الشيعية المرتبطة بإيران، مثل تحالف الفتح، مقارنة بالانتخابات السابقة. وامتد التراجع كذلك إلى حظوظ الأحزاب العراقية المرتبطة بتركيا. وفي المقابل، سجلت الانتخابات تقدماً غير مسبوق للتيار الصدري الذي يرفض التماهي مع الأجندة الإيرانية، ويدعم اقتراب العراق أكثر من حاضنته العربية.

وليس ثمة شك في أن الانتخابات البرلمانية العراقية مثَّلت مؤشراً واضحاً على اتجاه الناخب العراقي نحو تغليب الانتماء الوطني على الطائفي، وكشفت توجهاته الرافضة لوجود الميليشيات والتشكيلات خارج إطار الدولة، ولأدوار من ترتهن إليه هذه التشكيلات. وينطوي ذلك على دلالة تكشف عن أن رهان الأطراف الإقليمية على السياسات الطائفية، لن يكفل لها الحفاظ على نفوذها داخل العراق الذي يمضي قُدماً لاستعادة سيادته. وهذا بدوره ينبِّه إلى أن هذه الانتخابات التي مثَّلت بداية طريق جديدة، لاتزال تنتظرها الكثير من العقبات والعراقيل، والتي تأتي في مقدمتها عرقلة أدوات إيران في الداخل العراقي، إذ قد تتبدَّى احتجاجات ومقاومة تؤجِّجها القوى الرافضة للخريطة السياسية الجديدة للبرلمان، غير أن العرقلة والاحتجاجات سوف تكون هذه المرة في مواجهة مع إرادة الشعب العراقي.

 

 


تعليقات الموقع