علينا تطوير استراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ، مثل بناء مبانٍ صديقة للبيئة، وتطوير أنظمة ريّ فعالة، وزيادة المساحات الخضراء

موجات الحر والمعاناة الاقتصادية والإنسانية

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

 

اتجاهات مستقبلية

موجات الحر والمعاناة الاقتصادية والإنسانية

 

 

 

 

 

تزيد موجات الحر الشديد من معاناة الإنسان، وربّما تحصد الأرواح في مناطق عديدة حول العالم؛ إذ إن زيادة درجات الحرارة تؤثر بشكل كبير على البيئة والمحاصيل الزراعية، ومع تكرار موجات الحر غير المعتادةفي مناطق كان الطقس فيها معتدل،وزيادة احتمالات الجفاف وحرائق الغابات، تحاول الدول تحسين استعدادها للتكيف مع التغيرات المناخية، ومواجهة موجات الحرارة، لكن لا تزال الحاجة إلى المساعدة مطلوبة، ولاسيّما في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تتجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية.

وبارتفاع درجات الحرارة العالمية، أضحت العواقب على الإنسان واضحة ومعقدة وممتدة إلى الاقتصاد، حيث تؤثر الحرارة على الإنتاجية وانخفاض القدرة على العمل وزيادة تكاليف الرعاية الصحية، خاصة في الصناعات التي تتطلب عمالة خارجية، بما في ذلك الزراعة والبناء، وقد يكلّف الإجهاد الحراري ما يعادل 80 مليون وظيفة بدوام كامل في جميع أنحاء العالم بحلول 2030، ولاسيّما في الأماكن الفقيرة.

وفي المدن والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية تزداد التحديات بسبب البنية التحتية، حيث تمتصّ مواد البناء عادة الحرارة وتحتفظ بها بدرجة أكبر من المواد الطبيعية، ولا يمكن استبعاد العلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع معدلات الوفيات في أجزاء كثيرة من العالم؛ إذ تُقدِّر منظمة الصحة العالمية أن موجات الحر تُودِي بحياة 175 ألف شخص سنويًّا في أوروبا، وهذه الأرقام ربّما أقل بكثير من الواقع؛ إذا ارتبط إحصاء الوفيات بدول نامية أو مناطق تشهد ارتفاعات شديدة لدرجات الحرارة.

وبحريًّا، يتزامن مع موجات الحر المد البحري الناجم عن ارتفاع مستوى سطح البحر؛لذا فإن هناك تخوفات متزايدة من تهديد حياة ملايين البشر في المناطق الساحلية في العالم، ويطرح ارتفاع درجات حرارة سطح البحر في صيف 2024، تساؤلات حول مدى مرونة النُّظم البيئية المهمة، مثل الشعاب المرجانية، في مواجهة الضغوط المتكررة من المياه الدافئة، مع تضاعف عدد موجات الحر البحرية منذ عام 1982؛ما يشعرنا بالخطر تجاه النظم البيئية، وفقدان التنوع البيولوجي، وتدهور الموائل، وتعطيل العمليات البيئية.

ولموجات الحر الشديدة تأثير على الاقتصاد،من ناحية الحاجة إلى المزيد من اللجوء للمستشفيات، وانخفاض حادّ في الإنتاج الزراعي والعمراني ونقص المحاصيل الزراعية، وعادةً ما تقلّ إنتاجية الموظفين في الطقس الحار، حتى لو كانوا يعملون في المكاتب، ويمكن للحرارة أن تزيد من استهلاك الطاقة؛ إذ يعتمد الناس بشكل أكبر على تكييف الهواء، لكن هذا الاستخدام المتزايد للطاقة يؤدي إلى ارتفاع فواتير الكهرباء، ووضع ضغط إضافي على شبكات الطاقة، ولا تمثّل مكيفات الهواء الحل الأمثل، خاصة مع العاملين في الهواء الطلق، وليست مناسِبة للجميع من الناحية المادية.

وفي تقدير منظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 70% من القوى العاملة حول العالم معرّضة لمخاطر تغير المناخ، التي قد تصل إلى حدّ الوفاة، أما تكلفة الإجهاد الحراري في الاقتصاد العالمي فيمكن وصولها إلى 2.4 تريليون دولار بحلول عام 2030.

ويمكن للأشجار وغيرها من النباتات“التخضير الحضري”، أن تساعد في تبريد المدن والقرى، والتكيف؛ من خلال إنشاء بنية تحتية ملائمة، والعمل في أوقات تجنّب درجات الحرارة العالية لحماية العمال، وتطوير البنية التحتية، وبناء الاقتصادات والمجتمعات القادرة على الصمود أمام زيادة الضغط على إمدادات المياه والأنظمة الصحية وشبكات الكهرباء، وتنوع مزيج الطاقة، حتى الاعتماد أكثر على الطاقة النظيفة والمتجددة لتقليل الانبعاثات.

وتمثل موجات الحرارة المتزايدة أحد أبرز التحديات المرتبطة بتغير المناخ، وهي ظاهرة ترتبط بسلسلة من الآثار السلبية التي تمتد لتشمل مختلف جوانب الحياة، من الاقتصاد إلى حياة الإنسان، وتهديد الأمن الغذائي، مع تأثير موجات الحرارة على الزراعة وجفاف التربة وتدهور المحاصيل، وزيادة الطلب على الطاقة لتشغيل المكيفات، وانخفاض إنتاجية العمال في العديد من القطاعات، مع تدهور جودة الهواء؛ لذا، علينا تطوير استراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ، مثل بناء مبانٍ صديقة للبيئة، وتطوير أنظمة ريّ فعالة، وزيادة المساحات الخضراء، والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتطوير أنظمة إنذار مبكر لاتخاذ الاحتياطات اللازمة من موجات الحرارة القادمة، ووضع استراتيجيات تساعد الفئات السكانية الضعيفة للتخفيف من الآثار الضارة للحرارة الشديدة.

 


تعليقات الموقع