اتجاهات مستقبلية

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات
اتجاهات مستقبلية

اتجاهات مستقبلية
اتجاهات أسواق الطاقة المتجددة عالميًّا

يمثل انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مجددًا من اتفاقية باريس للمناخ، بعد انسحاب سابق في 2017، وعودة من الرئيس السابق جو بايدن، في 2021، يمثل هذا الانسحاب تطورًا بالغ الأهمية لأسواق الطاقة، ويفتح الباب لتساؤلات عن اتجاهات أسواق الطاقة التقليدية والمتجددة، ومصير الجهود الدولية للحد من التغيرات المناخية، مع تجاوز الهدف المحدد لـ”اتفاقية باريس” من الحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية على المدى الطويل، بينما يبلغ الارتفاع الحالي 1.3 درجة مئوية.
وتنبع قرارات الإدارة الأمريكية من عدم الوثوق في الطاقة المتجددة، لاعتبارها غير جديرة باعتماد الولايات المتحدة عليها، ولهذا أوقفت إدارة ترامب مشروعات تطوير الطاقة النظيفة على الأراضي الفيدرالية، فيما استثنت النفط والغاز من هذه القيود، مع إعلان حالة “طوارئ الطاقة”، وجمدت تمويلات بقيمة 7 مليارات دولار لمشروعات الطاقة الشمسية الصغيرة.
ويرى كثيرون أن التخلي الأمريكي عن الأهداف العالمية للحد من التلوث وخفض الانبعاثات الضارة يعرقل جهود العالم في تبني الطاقة المتجددة، مع غياب الدولة الأكبر في الانبعاثات في العالم عن الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، بينما سينتعش سوق الوقود الأحفوري، مع تخفيف القيود المفروضة على إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، وذلك ما يعزز الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير، لكنه سيؤدي إلى تكاليف بيئية واقتصادية طويلة الأجل على الولايات المتحدة والعالم.
وتُرجع سياسات إدارة ترامب الولايات المتحدة إلى الوراء في تنافسها العالمي على الطاقة المتجددة، فحتى 2024 كانت الولايات المتحدة متأخرة عن أوروبا والصين في نشر مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع في البلاد، والعدول الأمريكي عن الاستثمار في هذا القطاع الحيوي يفسح المجال أمام الصين للهيمنة أكثر على صناعات الطاقة النظيفة، بما في ذلك الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية، خصوصًا أن الطاقة المتجددة تمثل أكثر من 80% من قدرة توليد الطاقة المركّبة الجديدة للصين التي هي أكبر منتج للهيدروجين الأخضر، ناهيك عن استحواذ الصين على ضعف ما تنتجه بقية دول العالم من الطاقة المستدامة.
إن توجه الولايات المتحدة بعيدًا عن الطاقة المتجددة، مع عدم منح أولوية لقضية البيئة، سيؤدي إلى انخفاض الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة، بالرغم من محاولة الشركات في الولايات المتحدة زيادة استثماراتها في التقنيات المتجددة لموازنة التراجع الفيدرالي. كما يعيق الانسحاب الأمريكي من “اتفاقية باريس” الجهود الدولية التي تسعى إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، بالرغم من أن العالم يحتاج إلى التحرك بشكل أسرع بكثير مما هو عليه الآن للحد من الآثار المتفاقمة للاحتباس الحراري العالمي، مع تسجيل أن عام 2024 هو العام الأكثر سخونة للأرض، غير أن ترامب يشكك في العلاقة بين الاحتباس الحراري وبين حرق الوقود الأحفوري، ويعتبر التهديد المتمثل في ارتفاع مستويات سطح البحر والتغيرات المناخية مبالغًا فيه، وقد يترتب على ذلك عدم التزام دول أخرى مسببة للانبعاثات بتعهداتها الدولية لخفض الانبعاثات أسوة بالولايات المتحدة.
وقد وصل حجم الاستثمارات العالمية في مجال التحول إلى مصادر طاقة منخفضة الانبعاثات إلى تريليوني دولار للمرة الأولى في 2024، تتقدمه الصين بنحو 818 مليار دولار، و381 مليار دولار للاتحاد الأوروبي، و338 مليار دولار للولايات المتحدة، لكن في عهد دونالد ترامب، يبدو أن هذا الرقم لن يتحقق، مع احتمال تراجع بعض الدول الأخرى عن مسار التحول نحو الطاقة النظيفة، والتوسع في المصادر التقليدية.
ويمكن القول إن الولايات المتحدة ستقود سوق الطاقة التقليدية، كأكبر منتج للنفط والغاز في العالم، وهو ما سيؤدي إلى استقرار أسعار النفط العالمية، والاستثمار أكثر في الاكتشاف والحفر والتنقيب عن النفط والغاز، مقابل تواصل الاستحواذ الصيني على سوق الطاقة المتجددة، واحتمال اتساع الاستثمار في المصادر النظيفة والمتجددة في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، لكن من غير المتوقع الحفاظ على نمو الإنتاج العالمي، بل ربما يتراجع عمّا كان عليه، مع ترجيح الابتعاد عن تحقيق المستهدفات المناخية في بقاع مختلفة من العالم.


Leave a Reply