فرص وعقبات تعزيز التعاون الصيني- الباكستاني- الأفغاني

الرئيسية مقالات
أحمد دياب:باحث وصحفي في مجلة الديمقراطية بمؤسسة الأهرام ـ القاهرة
فرص وعقبات تعزيز التعاون الصيني- الباكستاني- الأفغاني

 

ترويكا الممر:

فرص وعقبات تعزيز التعاون الصيني- الباكستاني- الأفغاني

 

 

 

 

خلال اجتماع في كابول في 20 أغسطس الجاري لجولة الحوار السادس لوزراء خارجية الصين وأفغانستان وباكستان، بحضور وزير الخارجية الصيني وانغ يي، ووزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار؛ تعهدت الدول الثلاث بتعميق التعاون في مجالات التجارة والتواصل والأمن لتعزيز السلام والازدهار الإقليميين، حيث ركز الاجتماع على جهود مكافحة الإرهاب وتوسيع نطاق “مبادرة الحزام والطريق” لتشمل أفغانستان عبر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

الفرص والأهداف

يرتبط التعاون بين الدول الثلاث بعدد من الأهداف الطموحة المُستهدَف تحقيقها في إطار استراتيجيتها الإقليمية، ويأتي على رأسها ما يلي:

1 – ضم أفغانستان إلى الممر الاقتصادي: لطالما سعت الصين إلى دمج أفغانستان في مبادرة “الحزام والطريق”، فقد وقَّعت الصين مذكرة تفاهم مع الحكومة الأفغانية السابقة في عام 2016 لتعزيز التعاون في إطار المبادرة، ولكن لم يُحرَز تقدم يُذكَر على مدى السنوات الماضية. ونظراً لمصالح الصين في أفغانستان، فإن امتداد مبادرة الحزام والطريق إلى الأخيرة أمر بالغ الأهمية للصين من خلال ربط أفغانستان بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، ولذا قامت الصين بدور الوسيط الإيجابي بين أفغانستان وباكستان، وهو ما زاد من أهميتها ونفوذها في المنطقة. كما ترغب الصين في الاستحواذ على النسبة الأكبر من احتياطيات أفغانستان المعدنية التي تبلغ قيمتها حوالي تريليون دولار لتوسيع مبادرة الحزام والطريق.

بالنسبة لنظام طالبان، فإن إدراج أفغانستان في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني يمكن أن يعزز التجارة والاستثمار بشكل كبير؛ إذ لا تزال طالبان تعاني من ضائقة مالية خانقة وغير قادرة على المضي قدماً في تطوير اقتصادي وبنية تحتية كبيرة، بسبب تجميد أصولها في الخارج، ونقص المساعدات الخارجية، واستمرار العقوبات، هذا علاوة على حظر حكومة طالبان زراعة الأفيون في إبريل 2022، والذي كان أحد مصادر الدخل لأفغانستان سابقاً. ووفقاً لنائب وزير الاقتصاد في حكومة طالبان، عبد اللطيف نظري، فإن “مشاركة أفغانستان في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني يمكن أن تقوم بدور مهم في خلق فرص العمل، والحد من البطالة، وتعزيز البنية التحتية، وجذب الاستثمارات، وتعزيز التعاون الإقليمي”.

ويُعد الانضمام إلى الممر خطوة إيجابية من حركة طالبان لإظهار التزامها تجاه الشعب الأفغاني بإعادة بناء الاقتصاد. ونظراً لأن أفغانستان دولة غير ساحلية، فإن تطوير المزيد من طرق النقل عَبْر باكستان والصين سيكون مهماً للتجارة والصادرات. وعلاوة على ذلك، ترغب طالبان في كسر عزلتها الدبلوماسية؛ وتُعد الصين وباكستان أسهل شريكين تعاونيين يمكن لطالبان التعاون معهما، كما يُعد إبقاء الصين منخرطة في الشئون الأفغانية أمراً بالغ الأهمية لطالبان.

وبالنسبة لباكستان، قد يُحسِّن انضمام أفغانستان إلى الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان طرق النقل، خاصة عَبْر ميناء “جوادر” وممر “مزار شريف – كابول – بيشاور عَبْر أفغانستان، كما يمنح ذلك السلطات الباكستانية في الوقت نفسه فرصة أفضل للتفاوض مع حركة طالبان على السلام على طول الحدود الباكستانية الأفغانية، وإقناعها بكبح جماح حركة طالبان باكستان وبعض الجماعات الأصغر المنتشرة على الحدود بين الدولتين.

2 – التعاون في مكافحة الإرهاب: تُعد مكافحة الإرهاب أولوية قصوى للدول الثلاث؛ فوفقاً لتقرير حديث للأمم المتحدة، لا تزال أفغانستان توفر ملاذاً آمناً للمنظمات الإرهابية، حيث ينشط تنظيم داعش خراسان، الذي يُشكِّل تهديداً أمنياً لحكم طالبان في أفغانستان، بالإضافة إلى استهدافه دولاً أخرى، وكذلك تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له، مثل حركة طالبان باكستان، التي تشارك في أنشطة إرهابية داخل باكستان، وثمة شكوك أن هذه الجماعات تحظى بدعم طالبان أفغانستان.

ولدى الصين مخاوف مماثلة بشأن مكافحة الإرهاب، ولا سيما بشأن مُسلحي أقلية الإيغور، الذين قد يستخدمون الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضدها. وبالتالي، تريد الصين من أفغانستان اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المسلحين. وللصين مصلحة أيضاً في دعم باكستان في مواجه الإرهاب، حيث تَستهدِف هجمات حركة طالبان باكستان والجماعات المسلحة البلوشية علناً مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، التي تشمل استثمارات صينية ومواطنين صينيين.

ولقد سعت الصين إلى التعاون المشترك في مجال الأمن وتنفيذ القانون بين طالبان وباكستان. ويبدو أن هذا التعاون قد تسارَع منذ آخر لقاء للمسؤولين في مايو 2025؛ إذ وعدت الدول الثلاث بالتحرك معاً لمحاربة الإرهاب بشكل عام، خاصة حركة طالبان باكستان وحركة تركستان الشرقية الإسلامية. وأفادت تقارير بأن طالبان تعهدت بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية لعمليات حركة طالبان باكستان، عَقٍبَ زيارة المبعوث الصيني الخاص للشؤون الأفغانية، يوي شياو يونج، كلاً من أفغانستان وباكستان في يوليو 2025.

3 – تشكيل آلية الحوار الثلاثية: تُعد الآلية الثلاثية، التي أطلقتها الصين في عام 2017، وأُعيدَ إحياؤها في عام 2022، منصةً مهمةً للدول الثلاث لتنسيق سياساتها. وقد ساعد اجتماع وزاري غير رسمي عُقِدَ في بكين في الفترة من 19 إلى 21 مايو 2025 على الحفاظ على زخم هذا التعاون الثلاثي؛ حيث شهد ذلك الاجتماع تعهداً شفهياً من بكين بتوسيع روابط التجارة والبنية التحتية التي بدأت تأسيسها بالفعل من خلال مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان على مدى العقد الماضي (بتكلفة تصل لنحو 60 مليار دولار) لتشمل أفغانستان. كما حسَّنت باكستان علاقاتها الدبلوماسية مع طالبان في أعقاب ذلك بإرسال أول سفير لها إلى كابول منذ استيلاء الحركة على السلطة في أغسطس 2021.

ومن خلال منصات مثل الحوار الثلاثي، أدت الصين وباكستان دوراً رائداً بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية في تعزيز استقرار أفغانستان وإعادة إعمارها ومشاركتها العالمية. وبينما فرضت بعض الدول الغربية عقوبات أحادية الجانب وجمدَّت مليارات الدولارات من الأصول الأفغانية، أكدت الصين أنه لا ينبغي استبعاد أفغانستان من المجتمع الدولي وشجعت على إجراء حوار أكبر مع كابول لدعم إعادة إعمار البلاد.

وتُمثِّل قدرة الصين على تعزيز التعاون مع أفغانستان وباكستان دفعة قوية لها لتولي القيادة الإقليمية في منطقة أوراسيا؛ فقد أقامت الصين علاقات جيدة مع الدول المجاورة لأفغانستان، لاسيما في منطقة آسيا الوسطى، وعملت معها بشكل نشط على المستوى الثنائي ومن خلال منظمة شنغهاي للتعاون لتعزيز السلام وتحقيق التنمية المشتركة.

التحديات والعقبات

تُواجِه هذه الأهداف الطموحة تحدياتٍ وعقباتٍ لا يمكن تحييدها أو تجاوزها بسهولة أو بين عشية وضحاها، من أبرزها ما يلي:

1 – صعوبات أمام تنفيذ الممر الاقتصادي: لم تتلقَ طالبان اعترافاً رسمياً من أي دولة، وقد تم كان الطرف المُوقِّع على انضمام أفغانستان إلى مبادرة الحزام والطريق هو حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني؛ وبالتالي، لا تتمتع الإدارة الحالية من الناحية الفنية بالأهلية القانونية لإبرام عقد. وقد يكون هذا أمراً صعباً بالنسبة للمشاريع التي سيتم تنفيذها على المدى الطويل. وعلى الرغم من أن وساطة الصين بين باكستان وافغانستان، فإن الصين لم تعترف رسمياً بحكومة طالبان في أفغانستان، وهذا يَحُد من عمق التفاعل الدبلوماسي، ويشير إلى أن مشاركتها مدفوعة بمصالح إستراتيجية أكثر من كونها تأييداً سياسياً.

وفي باكستان، تباطأت وتيرة مشاريع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان بَعْد جائحة كورونا، وتواجه شكوكاً في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة في باكستان. ولا يزال من غير المؤكد متى ستُوقِّع الصين رسمياً على اتفاقية دمج أفغانستان في مبادرة الحزام والطريق من خلال الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وكذلك الشروط التي ستوافق عليها باكستان بموجب هذا الترتيب.

من ناحية أخرى، لم تحقق الصين مكاسب كبيرة من أفغانستان؛ فبينما تحدثت وسائل الإعلام على نطاق واسع عن المصالح الصينية في المعادن والموارد الطبيعية الأفغانية النادرة، إلا أن هناك تاريخاً من إلغاء وتأخير مثل هذه المشاريع في أفغانستان بسبب الأوضاع الأمنية. وحتى في حال تنفيذه، فإن تطوير هذه القطاعات يستغرق سنوات، لذا سوف يحتاج الأمر بعض الوقت حتى تعود العوائد الاقتصادية إلى الصين.

2 – استمرار الخلاقات الباكستانية- الأفغانية: ساعدت السلطات الباكستانية حركة طالبان الأفغانية في فترات سابقة بتوفير ملاذات آمنة لهم، وتدريبهم عسكرياً، ربما بهدف مواجهة الوجود الهندي في أفغانستان، حيث ظلت طالبان أفغانستان أداةً استراتيجيةً لسياسة العمق الاستراتيجي الباكستانية في مواجهة الهند.

لكن بعد فترة وجيزة من تولي طالبان الحكم في كابول في عام 2021، بدأت العلاقات تتدهور بين الدولتين، بسبب اتهامات إسلام أباد كابول بدعم حركة “طالبان باكستان” التي تشن حرب استنزاف ضد قوات الجيش والأمن الباكستانية في منطقة الحدود مع أفغانستان؛ حيث قتلت حركة طالبان باكستان أكثر من 2800 باكستاني منذ عام 2021. وأفادت التقارير أن حركة طالبان باكستان كانت تعمل من ملاذات آمنة في أفغانستان، إلى جانب العديد من الهجمات والعمليات الإرهابية في باكستان.

وعلى الرغم من توافُق باكستان والصين وأفغانستان خلال اجتماع كابول الأخير، على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بينهم، فإن وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار، أعرب عن خيبة أمله بسبب “عدم إحراز تقدم كبير في المجال الأمني”، وقال إن طالبان الباكستانية وجيش تحرير بلوشستان وفرع الانتحاريين فيه “مجيد بريغيد” كثفوا عملياتهم في الآونة الأخيرة، وإنهم يستخدمون الأراضي الأفغانية للتخطيط والإيواء.

وكان قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير، قد أكد في 16 أغسطس الجاري، أن سياسة كابول مع باكستان لا تصب في مصلحة المنطقة، وأن باكستان لها حق الدفاع عن نفسها، وأن بإمكانها أن تقوم بكل ما يضمن أمنها واستقرارها، حتى ولو كان ذلك خارج باكستان.

من ناحية أخرى، لا تزال حكومة طالبان في أفغانستان مترددة في قبول خط “دوراند” الحدودي بين الجانبين؛ فالحدود المُتنازَع عليها تُهدِّد أمن باكستان. وأخيراً أدى قرار باكستان ترحيل حوالي مليون لاجئ أفغاني في عام 2024 إلى تفاقم العداء وتدهور العلاقات بين الدولتين بشكل كبير.

3 – تزايُد التهديدات الأمنية: اتهمت إسلام أباد حركة طالبان الأفغانية بالسماح لجماعات مثل حركة طالبان باكستان بشن هجمات عَبْرَ الحدود. وتشترك حركة طالبان باكستان، التي تأسَّست في عام 2007، في جذور أيديولوجية مع حركة طالبان الأفغانية، لكنها تعمل بشكل مستقل.

كما هددت حركة طالبان باكستان المصالح الصينية، خاصةً مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، حيث أصبح المواطنون الصينيون العاملون في مشاريع في باكستان هدفاً متكرراً للهجمات. ومنذ عام 2021، وقع 14 هجوماً إرهابياً في البلاد استهدف مواطنين صينيين.

ولا تزال مقاطعة بلوشستان، على الرغم من كونها مركزاً جغرافياً ولوجستياً للممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، برميل بارود مفتوح. ورغم تمتع المقاطعة بوجود رواسب معدنية غنية، إلا أنها لا تزال فقيرة ومنعزلة سياسياً. ومع تدهور الأمن في المنطقة وعدم وصول الأرباح الاقتصادية إلى عامة الناس في بلوشستان، يتزايد السخط والمعاناة؛ وهو ما يُشكِّل بؤرةً للتمرد الداخلي وأرضاً خصبة للتدخل الخارجي.

ويُعد جيش تحرير بلوشستان وحركة طالبان باكستان من الجهات الرئيسية المعنية بالتدخل، حيث ينفذان هجماتٍ تَستهدِف المدنيين بأعداد كبيرة وتضرب نقاطاً استراتيجية. وقد أدت هذه العمليات إلى أن تأتي باكستان في المرتبة الثانية في الأنشطة الإرهابية في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025، حيث تعرضت لأكثر من 1000 هجوم في عام 2024 وحده، نفذ جيش تحرير بلوشستان وحركة طالبان باكستان ما يقرب من 90% منها.

ختاماً، يمكن القول إن التوافق الثلاثي المتزايد حول التجارة والنقل والأمن بين الصين وباكستان وأفغانستان يبعث برسالة واضحة مفادها أن التعاون الإقليمي يحمل في طياته وعوداً كبيرة؛ إذ يخلق التوسع الغربي للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، فرصاً جديدة للترابط الإقليمي والتنمية المستدامة في جميع أنحاء جنوب ووسط آسيا.

ومن الواضح أن الصين مصممة على نجاح الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. ورغم تزايد عدد الهجمات التي تَستهدِف الأفراد الصينيين في أفغانستان وباكستان، والاشتباكات المتقطعة على طول الحدود الباكستانية- الأفغانية، والخلافات الدورية بين حكومة طالبان الأفغانية والسلطات الباكستانية، فلا تزال بكين ثابتة في مواصلة التعاون الدبلوماسي والاقتصادي مع كلا الجانبين.


اترك تعليقاً