اتجاهات مستقبلية   

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات
اتجاهات مستقبلية   

 

اتجاهات مستقبلية

السياسات الغربية لإنهاء الحرب على غزة

 

 

اكتست عواصم أوروبية وغربية بالأعلام الفلسطينية، بعدما اتسعت دوائر الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالتزامن مع انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بعد نحو سنتين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة في الغرب، ليظهر بعد أكثر من قرن من الزمان من إصدار بريطانيا وعد بلفور عام 1917، اعتراف بالدولة الفلسطينية من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال وفرنسا وبلجيكا ومالطا ولوكسمبورج والدنمارك وإمارة موناكو وأندورا، بعد موجة سبقتهم عقب الحرب على غزة شملت إسبانيا وأيرلندا والنرويج.

بالأمس القريب، لم تكن الدول الأوروبية والغربية تنوي الاعتراف بدولة فلسطينية، مع تأكيدها باستمرار على دعم حل الدولتين، باعتباره مسار السلام في الشرق الأوسط، لكن دون أن تُعرّض علاقاتها مع الحلفاء في إسرائيل والولايات المتحدة للخطر. لكن ومع مواصلة إسرائيل الحرب على القطاع، كانت الطريق مؤهلةً للاعتراف بالدولة الفلسطينية، خاصة وأن المؤسسات الأممية وثقت حجم الكارثة الإنسانية والمجاعة في عزة. وفي وقت تضغط فيه الشعوب بلا هوادة على حكوماتها في الغرب، وتتهمها بأنها “متواطئة” في جرائم غزة، حتى أسفر الغضب عن اضطراب داخلي ومظاهرات لا تتوقف للتنديد بالسياسات الإسرائيلية والحكومات الغربية، مما أدى إلى زيادة الضغط على الحكومات الغربية للاعتراف بفلسطين. ولهذا فإن خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بقدر ما أنها تحرك مياه القضية الفلسطينية الراكدة، إلا أنها أيضا خطوة لتهدئة الساحات الغربية وتخفيف الضغوط الشعبية على حكومات دول أوروبا. لكن دون أن ينفي ذلك أن الاعتراف بالحق الفلسطيني كان مطلوبًا، وأن إعلان الالتزام بحل الدولتين قولًا فقط لم يعد كافيًا، في ظل الوضع القاتم في غزة وطموحات اليمين الإسرائيلي في ضم الضفة الغربية.

الآن تعترف 157 دولة في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، مع انضمام دول من مجموعة السبع الصناعية الكبرى، وبقاء الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بين الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، التي لم تعترف بدولة فلسطين. وقد تدفع تلك الاعترافات بمفاوضات جادة لوقف إطلاق النار في غزة، ولاسيما أن الاعترافات الأخيرة جاءت من الدول الأكثر تحالفا مع إسرائيل، وكشفت عن عزلة الموقف الأمريكي عن المجتمع الدولي الأوسع نطاقًا. كما أن تلك الاعترافات يمكن أن تُحسّن من المعادلة الفلسطينية في أي محادثات مستقبلية، فضلًا عن أنها تُسهم في اتساع الرفض للسياسات الاستيطانية في الضفة، بل وقد يسمح الاعتراف بإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ويفتح باب الملاحقات ضد قادة ووزراء في إسرائيل.

لقد تعددت التحركات الدولية لإنهاء الحرب في غزة ورسم ملامح مستقبل ما بعد الحرب، بالتزامن تقريبًا مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث اقترحت الولايات المتحدة وفرنسا مبادرات، وأُعيد طرح خطط سابقة، لإيجاد حل مستدام في القطاع، وبحث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قادة دول عربية وإسلامية، إمكانية إنهاء الحرب، وإنشاء آلية حكم جديدة في قطاع غزة، وإعادة إعماره.

إن الوقت قد حان لينتقل المجتمع الدولي من القول إلى الفعل، فإسرائيل لن توقف الحرب في غزة إلا تحت الضغط. والاعتراف بدولة فلسطين وإن كان خطوة إيجابية لتصحيح مسار تاريخي خاطئ، إلا أنها تحتاج إلى جهود أخرى من الجميع، كوقف الحرب وتحجيم المستوطنين، والاتجاه بجدية نحو مسار حل الدولتين، الذي من دونه لن يتحقق الاستقرار في الشرق الأوسط.

 


Leave a Reply